Friday, December 18, 2015

ذكريات مشيريب




ملحق العيد الوطني القطري
  "ماديامام"
الجمعة، 18 ديسمبر 2015ذكريات مشيريب

أشارك بعض الحسابات المرتبطة بذكريات قطرية من الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.كان ثمة شارعان في الدوحة – شارع الكهرباء وشارع الديوان – اللذين يتفرعان من طريق الريان وينتهيان عند تقاطع الاتصالات القديم وقد اشتهرا بكونهما مركزين تجارييـــــــــــــــن.
ناشيونال كانت في الصف الأول في تجارة المنتجات الإلكترونية، والبيت الحديث الذي يدل اسمه ومعناه على الحداثة، ورادو، الرمز الملكي لدقة المواعيد، وصيدا، الطراز القديم في محلات البقالة، والصحراء وحرائر بومباي الشهيرة في مجال الألبسة، وستارورلد التي توزع هدايا الأغاني الجديدة والأفلام المميزة، وستيرلنغ الذي بدأ سلسلة مطاعم الوجبات السريعة في الدوحة، وسفريات آسيا وكليوبترا أسلاف وكالات السفر، والمفتاح الذي أطلق السيارات المستأجرة في الشوارع، وتميمة التي كانت الأولى في مجال الأحذية، وكنارا التي تصنّع الحليّ الذهبية، ومطعم بيروت الذي يقدم الحمص، وهو فطور شهير في الشرق الأوسط، ومطعم ويلكوم حيث يتعين ذكر المسالا دوسا وأمثالها بنكهتها الهندية المميزة خاصة لدى سكان جنوب الهند.
وفي هذه النواحي كان مسجد الغانم ومسجد خليفة اللذين شهدا ولائم المعرفة والفصول الدراسية الأسبوعية لأساتذة الماليباري واسعي العلم.وكان مركز مواقف السيارات في المنطقة مقابل مطعم الحديقة بالقرب من مسجد خليفة. وكان الباتان والبلوش ومن يعملون أعمالا شاقة يتجمعون هنا. وفي ذلك الزمن لم تكن الوسائط السمعية والبصرية متطورة كما هي الآن، لذا كان المتحمسون يروون عطشهم للترفيه في المكتبات. فقد كان يتم توزيع المحاضرات الجديدة، والتوليفات الموسيقية، وأغاني الأفلام من وقت لآخر من قبل مؤسسات شهيرة كان لمعظمها مقر في هذه المنطقة. وفي مشيريب، كان هناك مطاعم فاخرة تجتذب العائلات الهندية الثرية التي كان أفرادها يعملون في القطاع الحكومي وشبه الحكومي وشركات النفط.
كل يوم خميس، كان صديق بدوي يأتي من الشحانية إلى المؤسسة التي أعمل فيها في مشاري. ومرة في الأسبوع كنا نتناول الفطور معا. كانت المسالا دوسا الوجبة المفضلة لديه. ومن الإنصاف القول إن هذا الشاعر العربي (القبلي) الأصيل كان يصر على تناول الطعام مع شخص ماليباري في عطلة نهاية كل أسبوع. وكان يحفظ احتراما وتقديرا كبيرا تجاه الماليباريين، وكان يعشق الأغاني الهندية، وخاصة أغاني مابيلا.(ماليباري) وكان يفقه أساليب وألاعيب الماليباريين، وكان هذا الأخ الذكي يتندر بالنكات عن الماليباريين. وأود هنا أن أشارك واحدة من نكاته. أيام الخميس والجمعة، كان الباعة في السوق معتادين على طرح أسعار الأشياء بشكل منفصل. وفي مرة من المرات نادى أحد الماليباريين على السعر أنه "عشرين ريـال" أي "باتو" (التي تعني عشرة في لغة الماليبارية) ريـال، وبدا ذلك ترجمة إلى اللغة العربية. ولكن بالنسبة للماليباري كان السعر نصف ذلك. وعلى الرغم من كون ذلك غشا، فقد كان لذلك الأخ اللطيف تأثير كبير في الحب الذي يظهره لأبناء جلدته (من المكان ذاته).
وفي نهاية كل شهر، كان يظهر رجل عجوز في منطقة مشيريب. إيراني أشيب اللحية والرأس والحاجبين، يرتدي معطفا مجعّد وبنطالون جينز يبدو في غاية القذارة في مظهر كئيب. وعلى الرغم أنه كان يمشي بصعوبة فقد كان تعبير وجهه يقول "ليس لدي أي صعوبة". وكان يمسك في يده علبة قديمة مليئة بالزيت، ومشعل وبعض الخرق. وفي كل دكان، كان يقوم بتنظيف الرمل والغبار من سكة الباب الغالق. ومن ثم يقوم بطلائها بالزيت مستخدما خرقة ملفوفة على عود ومغمسة بالزيت. وبعد الانتهاء من عمله يلقي السلام ويهمّ بالرحيل. وعندها يخرج أحد العاملين في الدكان ويعطيه "فكّة" ريـال، وهكذا ينتقل من دكان لآخر. وكان هذا الشخص يباشر عمله دون طلب الإذن من أي أحد. وكان يضع النقود التي يجنيها في جيبه دون أن ينظر إليها ويتسكع من مكان إلى آخر. ولم يكن هذا العجوز الذي يعمل دون أي طلب يُردّ خالي الوفاض قطّ، أو إذا حاول أحدهم ذلك لم يكن ذلك العجوز الهزيل الشاحب ليفعل أي شيء. 0
وكانت البلدة القديمة التي لم تكن مجمّلة كثيرا تزخر بذكريات آسرة تثير الحنين إلى الماضي. وعلى الرغم من أن ثقافات البلدة الجديدة المتألقة كانت تشع بأمطار ملونة تبهر الأبصار، إلا أنها كانت تفتقر إلى  المناظر التي تترك انطباعها في القلوب.

عزيز منجييل